No items found.
December 2025
10

قراءة الحركة التقدمية الكويتية لوثيقة "استراتيجية الأمن الوطني للولايات المتحدة الأميركية - ٢٠٢٥" والتحديات الخطرة التي تفرضها على الأمن الوطني الكويتي... والبدائل المطلوبة

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

جاء إطلاق وثيقة "استراتيجية الأمن الوطني للولايات المتحدة الأميركية - ٢٠٢٥" ليكشف الإقرار الواضح بانكفاء الدور الأميركي عالمياً وعدم القدرة على مواصلة النهج الإمبريالي لواشنطن في فرض الهيمنة الأحادية على العالم، وذلك في ظل "حالة التقهقر والتراجع النسبيين للقوة الإمبريالية المهيمنة وتبدّل موازين القوى جراء أفول عهد القطب الواحد وبروز ظاهرة الدول الصاعدة"، التي سبق أن أشارت إليها الحركة التقدمية الكويتية منذ سنوات في العديد من وثائقها وبياناتها.

ولعلّ أبرز ما يلفت الانتباه في استراتيجية الأمن الوطني الأميركية الجديدة يتمثّل في:

• حصر الاهتمام الأميركي في نصف الكرة الغربي...ومطالبة واشنطن حلفاءها بزيادة إنفاقهم بشكل كبير على دفاعهم الوطني.

• التوجّه نحو إعادة توزيع الوجود العسكري الأميركي عالمياً بالتركيز على نصف الكرة الغربية، والابتعاد عن المسارح التي تراجعت أهميتها النسبية للأمن القومي الأميركي خلال العقود أو السنوات الأخيرة"، وبالتحديد تراجع اهتمام واشنطن بالشرق الأوسط حيث لم يعد أهم مورد للطاقة في العالم، إذ تقول الوثيقة بوضوح لقد انتهت تلك الأيام "التي كان الشرق الأوسط فيها يهيمن على السياسة الخارجية الأميركية".

• التركيز في العلاقة مع الصين على إعادة توازن العلاقة الاقتصادية معها، بعد التسليم بتفوق الشركات الصينية المدعومة والموجهة من الدولة في بناء البنى التحتية المادية والرقمية وإعادة توظيف فوائضها التجارية، والإعلان عن عدم دعم واشنطن لأي تغيير أحادي للوضع القائم في مضيق تايوان.

• التوجّه الأميركي نحو "إعادة إرساء الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا" والتسليم صراحةً بأنّ حرب أوكرانيا، التي حرّض فيها الغرب كييف للانضمام إلى حلف الناتو، أدّت إلى نتيجة معاكسة.

• الإعلان عن "إطلاق العنان لقدرة الولايات المتحدة الهائلة على إنتاج الطاقة كأولوية استراتيجية".

• اتخاذ موقف سلبي صارخ تجاه المنظمات الدولية عبر الإعلان عن "مواجهة تدخلات المنظمات العابرة للحدود، التي تقوّض السيادة".

ونحن نرى أنّ التغيرات العالمية المتمثّلة في الانحسار التدريجي للهيمنة الأحادية القطبية التي فرضتها الولايات المتحدة عقب انهيار الاتحاد السوفييتي...وما تعانيه  داخلياً من أزمات بنيوية...وما تواجهه خارجياً من تحديات متزايدة من القوى الصاعدة كالصين وروسيا...بالترابط مع مقاومة الشعوب وحركات تحررها التي ما زالت صامدة وتواجه قوى الهيمنة وتوابعها، أدّت إلى تقويض أسس النظام المالي والتجاري العالمي الذي كانت تهيمن عليه الإمبريالية الغربية وفتحت الأفق نحو تأسيس نظام عالمي جديد متعدد القطبية.

لكننا نرى أنّ هذا التعدد القطبي الوليد، كما تقرّ به وثيقة استراتيجية الأمن الوطني الأميركية الجديدة وإن كان يفتح الأفق أمام قوى التحرر في العالم وضمنها قوى التحرر الوطني العربية لا يعني آلياً تحقق نظام أكثر عدلاً، ما لم تستثمره قوى التحرر الوطني والشعوب في بناء مشاريع سيادية مستقلة، تعيد الاعتبار للتنمية المتمحورة حول الذات، وللعدالة الاجتماعية.

التحديات المستجدة، التي تواجه الكويت:

بالنسبة لنا في الكويت فإننا نرى أن الوثيقة الجديدة لاستراتيجية الأمن الوطني الأميركية، وإن كانت تفتح المجال أمام درجة من الفكاك من الهيمنة والتبعية للغرب، إلا أنّ هذه الوثيقة تضع بلادنا الكويت وأمنها القومي والوطني أمام تحديات ليست بالهينة، سواءً تجاه الاعتماد شبه المطلق على التزام الحماية الأميركية والوجود العسكري الأميركي في الكويت والمنطقة منذ ١٩٩٠ بعد غزو العراق لبلادنا في عهد نظامه السابق، أو بالاستناد إلى ضمانات قرارات مجلس الأمن تجاه الكويت، في ظل الموقف الأميركي السلبي تجاه المنظمات الدولية... أو ما سينجم عن السياسة الأميركية النفطية المعلنة، التي ستتضرر منها دول الأوبيك المصدّرة للنفط وبينها الكويت... وهذا ما يتطلب وقفة مراجعة جدّيّة أمام هذه المتغيرات والتبدلات والتحديات المستجدة والبحث عن بدائل للأمن الكويتي تنطلق من المصالح الوطنية الكويتية، بدلاً من مواصلة الاعتماد على الدور الأميركي.

البدائل:

وترى الحركة التقدمية الكويتية أنّ البدائل المطلوب التفكير فيها واعتمادها لضمان الوطني الكويتي يفترض أن تتجه نحو التخلي عن وضع البيض كله في السلّة الأميركية والنظام العالمي المهلهل الذي تشكّل في بداية التسعينات، والاستناد بدلاً من ذلك إلى خيارات أخرى متماسكة ومحققة للأمن الوطني الكويتي تتمثّل في:

أولاً: تماسك الجبهة الداخلية الكويتية على قاعدة الحرية والمشاركة الشعبية والنظام الدستوري كمتطلب أساسي للأمن الوطني الكويتي.

ثانياً: التمسك بنهج استقلالي وطني في السياسة الخارجية يعزز مَنَعَة الكويت والحفاظ على سيادتها عبر بناء علاقات حسن جوار إقليمية، وعدم الخضوع للضغوط والتدخلات الامبريالية... وتعزيز الأمن والسلم الإقليميين بتطوير القدرات الدفاعية الذاتية والتعاون القائم على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وإعادة النظر في الاتفاقيات الأمنية والدفاعية مع الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن على ضوء التوجّه الأميركي الجديد.

ثالثاً: تعزيز الروابط الجامعة بشعوب الخليج والجزيرة العربية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وطرح مبادرة لتأسيس منظمة تعاون وأمن إقليمي جديدة أوسع تشمل جميع الدول المتشاطئة على حوض الخليج العربي وفي شبه الجزيرة العربية.

رابعاً: التضامن العربي المبني على تأكيد الروابط القومية والتقارب والتكامل والاتحاد لرفض الهيمنة الإمبريالية والتصدي للسطوة الصهيونية ودعم نضال الشعب العربي الفلسطيني لنيل حقوقه الوطنية الكاملة.

خامساً: الدفع نحو تأسيس نظام دولي جديد يقوم على أسس الاحترام المتبادل بين الدول والسيادة الوطنية والتضامن الأممي بين الشعوب، ومثل هذا النظام لا يمكن أن يتحقق إلا على قاعدة الندية والمساواة، بعيداً عن الهيمنة والإملاءات... ما  يتطلب التوجّه نحو الانضمام بالعضوية الكاملة إلى مجموعتي بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون.

سادساً: وضع مشروع تنموي وطني بديل يستهدف بناء اقتصاد وطني منتج ومتطور ومستقل لمعالجة ما تعانيه البنية الاقتصادية الرأسمالية الريعية المشوهة والتابعة من اختلالات هيكلية، والانتباه إلى التحديات المتصلة بأسعار النفط في ظل الاستراتيجية الأميركية المعلنة، عبر  تنويع مصادر الدخل والأنشطة الانتاجية، والتوسع في الصناعات النفطية وخصوصاً التكرير والبتروكيماويات.

الكويت في ١٠ ديسمبر ٢٠٢٥